هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رفض مزارعون ومختصون زراعيون إعادة مجلس النواب المصري عقوبة الحبس لمخالفة الفلاحين لقرارات الدورة الزراعية من خلال تعديل قانون الزراعة، والذي منح الدولة الحق في حظر زراعة محاصيل معينة في مناطق محددة، واستثنى من ذلك مزارع الحكومة.
واستهجنوا في تصريحات لـ"عربي21" استهداف الفلاح بمادة "الحبس" لينضم بذلك إلى قائمة طويلة من المهن والعمل الحقوقي والصحفي والنقابي التي استهدفها البرلمان بالحبس من خلال قوانين مفصلة لتقييد وتعطيل حرياتهم.
ووافق مجلس النواب، الأحد، على إعادة عقوبة الحبس للمخالفين لقرارات وزير الزراعة مدة لا تزيد على 6 أشهر مع فرض غرامة مالية، وإزالة المحصول على نفقة الفلاح، وبرر رئيس المجلس، علي عبد العال، ضرورة استرجاع العقوبة إلى "أن الغرامة وحدها كعقوبة مغرية للمخالفة".
عقوبة مرفوضة
ورفض أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمركز القومي للبحوث، يحيى متولي، تعديل قانون الزراعة، وبدلا من ذلك دعا إلى "حوار مجتمعي بين الحكومة والفلاحين؛ فالسجن لن يحل مشكلة ولن يغير شيئا من سلوكيات الفلاح".
وأشار إلى أنه "لو تم شراء المحاصيل بسعر مناسب من الفلاح فلن يلجأ لمخالفة الدورة الزراعية، فالدولة تشتري القمح المصري بـ600 جنيه للأردب (150 كيلو) مع أنه أجود أنواع القمح في العالم، وتستورده بأغلى من ذلك وبجودة أقل بكثير".
وأضاف لـ"عربي21": "لا أريد أن أكون ضد الدولة ولا ضد الفلاح، أنا مع السياسة العادلة تجاه الفلاح، أعطه مستلزمات الإنتاج مدعومة، وحدد السعر قبل الزراعة، ثم حدد الأماكن التي تريد زراعتها بمحاصيل إستراتيجية كالقمح والأرز والذرة والفول والعدس".
وقرن القانون الجديد بأزمة المياه التي ستشهدها مصر بسبب السد الإثيوبي، قائلا: "على الدولة أن تبلغ الفلاح من خلال الحوار أنه في حال زراعة محصول مثل الأرز مثلا، فمصر لا تحتاجه بالكميات التي تزرعها وتقوم بتصدير الفائض، وهي بذلك كمن يصدر مياها وليس أرزا لأنه يستهلك مياها كثيرة، ونحن لدينا أزمة مياه بسبب سد إثيوبيا".
داعيا إلى دعم الفلاح "مثل دول كبرى كأمريكا وبريطانيا؛ لأنه ينتج سلعا إستراتيجية ويقلل الواردات، ويساهم في التصدير، مشكلتنا أنه لا يوجد توجيه صحيح للفلاح، وفي الوقت نفسه رفعنا عنه الدعم وتركناه لقوى العرض والطلب".
ولفت إلى أن "الفلاح خسر في زراعة البصل هذه السنة، وكذلك الطماطم والخيار، ومن حق الفلاح أن يربح، ولكن بهذه الطريقة فلن يزرع بصلا العام المقبل؛ فنحن نطبق النظرية العنكبوتية في الزراعة بمعنى أنه عندما يزيد العرض يقل الطلب وينخفض السعر والعكس صحيح".
القانون سلاح ذو حدين
وأيد مدير الجمعية الزراعية في المطاعنة بالأقصر، وصاحب أرض زراعية، المهندس عبد الكريم محمد، تعديل قانون الزراعة، وبرر ذلك بأن "القانون يصب في مصلحة مصر الزراعية، وفي مصلحة الفلاح؛ لأن غياب الدورة الزراعية يضر بجودة الأرض من ناحية، وجودة المنتجات الزراعية من ناحية أخرى ويقلل من خطر الإصابات الزراعية".
ولكنه استدرك قائلا لـ"عربي21": "ولكننا لسنا مع عقوبة الحبس، فالقانون السابق كان ينص على غرامة فقط، ولكن هذا القانون تضمن عقوبة الحبس، وكان يمكن استبداله بمضاعفة الغرامة في حال تكرارها".
ونوه إلى أن "هناك زراعات تستهلك كميات كبيرة من المياه؛ مثل قصب السكر والأرز، في وقت تسعى فيه الدولة لترشيد استهلاك المياه بسبب قلة المياه، وبغية المحافظة عليها"، داعيا في الوقت نفسه إلى "إعادة النظر في أسعار توريد المحاصيل الزراعية للدولة؛ لأنه لا توجد عدالة في الأسعار، فالمزارع مطحون"، متسائلا: "أين الدعم الذي يحصل عليه الفلاح، فالتقاوي، والأسمدة، وأجرة الأيدي العاملة، والوقود تكلفتها عالية جدا".
سلب حرية الفلاح
الإعلامي ومقدم برنامج "عرق الجبين" الذي يتناول كل ما يخص فلاحي مصر، جلال جادو، استهجن استهداف الفلاح المصري بقانون يتضمن "عقوبة الحبس"، قائلا: "نظام السيسي يعاقب الفلاح بسياساته المناهضة لحقوقهم، بداية من رفع الدعم كاملا عن العملية الزراعية برمتها، مرورا باستلام المحاصيل بثمن بخس، وصولا إلى تعديل قانون الزراعة الذي يتضمن حبسه في حال خالف رغبة النظام في زرع محاصيل بعينها".
وأضاف لـ"عربي21": "أرى أن تعديلات قانون الزراعة 53 لسنة 1966 هي كارثية بكل المقاييس على حاضر ومستقبل الزراعة في مصر؛ لأنها تهدد حرية الفلاح في زراعة أرضه بعد إلغاء الدورة الزراعية في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وما يفعله النظام يعد حربا على المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والقصب والأرز بحجة السعر العالمي تارة، ونقص المياه تارة أخرى".
وتساءل جادو: "هذا القانون الذي يستثني الحكومة من القانون، هل سيطبق على مزارع الجيش التي تنتشر في كل مكان؟ هل سيتم تطبيقه على مزارع رجال الأعمال الموالين للنظام، أم إن الفلاح المصري الغلبان هو الحائط المائل الذي يعلق هذا النظام العسكري الفاشل مشاكله عليه؟".