أصبحت حياة المصريين رهن الموت في كل لحظة؛ بين بطش النظام العسكري تارة، وبين الإهمال الحكومي والفساد الإداري على مدار عقود تارة أخرى.
والجمعة، عاشت مصر يوما حزينا شهدت فيه واحدة من أسوأ حوادث القطارات؛ حيث فقدت خمسين شخصا وأصيب مائة آخرون جلهم فقراء بحادث تصادم قطاري ركاب قرب الإسكندرية.
وتمتد خطوط السكك الحديدية بين المحافظات والقاهرة، وأهمها خطا الإسكندرية والصعيد، بمعدل ثلاثة ملايين راكب يوميا، ونحو 500 مليون راكب سنويا، أغلبهم من الطبقات الفقيرة، ويبلغ طول الشبكة الحديدية حوالي 9 آلاف كم.
واعترف وزير النقل هشام عرفات، في 14 أيار/ مايو الماضي، بخسائر السكة الحديد وأكد أن الدخل السنوي لا يتجاوز الملياري جنيه وأن تكلفة التشغيل ما بين 4 و5 مليارات جنيه سنويا.
وأدى رفع سلطات الانقلاب لأسعار الوقود نهاية حزيران/ يونيو الماضي، إلى تضاعف تعرفة وسائل الركوب والنقل الخاص، ما دفع ملايين الفقراء إلى استقلال القطار باعتباره الوسيلة الأرخص.
أسباب الانهيار؟
وتتكرر حوادث القطارات بشكل سنوي، وسجل الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وقوع 1234 حادثا عام 2015.
وتزداد خطورة الأوضاع بسبب المنظومة المتهالكة؛ بداية من تقادم القطارات وقلة الصيانة، وضعف المراقبة، وعدم رصد الميزانية الكافية لتطوير السكة الحديد الأقدم في أفريقيا والشرق الأوسط.
وتعد السكك الحديدية المصرية ثاني أقدم سكك حديد بالعالم بعد بريطانيا، حيث بدأ العمل بها في عهد الخديوي عباس الأول، ليتم افتتاح خط القاهرة-الإسكندرية عام 1856.
وتزداد الأزمة بمصر تعقيدا؛ بسبب تقاطع خطوط السكك الحديدية مع خطوط سير الحافلات وسيارات النقل عبر المزلقانات المتهالكة حيث الخطر الأكبر وتزداد معها نسب الحوادث.
هذا إلى جانب اعتماد منظومة تحويلات القطارات وتغيير مساراتها على العامل اليدوي دون إدخال التكنولوجيا الحديثة.
وبعد حادث قطار (منفلوط) نهاية 2012، وضعت حكومة هشام قنديل، في عهد الرئيس محمد مرسي، خطة لتطوير المزلقانات قبل نهاية 2013، إلا أن المشروع لم يكتمل بسبب الانقلاب العسكري منتصف العام.
حقائق صادمة
ويأتي حادث الجمعة، ليكشف عدة حقائق صادمة حول منظومة السكة الحديد، ترصدها "عربي21" في الآتي:
الحادث المؤلم يأتي بعد أسبوعين من تصريح مثير للجدل أطلقه وزير النقل هشام عرفات، في 27 تموز/ يوليو الماضي، ادعى فيه بأن "80 بالمائة من حوادث السكك الحديدية تقع بسبب المساجد المقامة بحرم (المزلقانات)".
وتأتي الحادثة بعد رفض السيسي في 14 أيار/ مايو الماضي، تطوير المزلقانات، وقال إن تكلفتها تصل إلى 10 مليارات جنيه، مستبعدا أن تنفق الدولة ذلك المبلغ على ميكنة السكة الحديد، وقال: "لو وضعت الحكومة ذلك المبلغ بالبنوك بفائدة 10 بالمائة لأعطى ملياري جنيه سنويا".
واعترف رئيس هيئة السكة الحديد، اللواء مدحت شوشة، أمام البرلمان في 16 أيار/ مايو الماضي، بتقصير الدولة في تطوير المنظومة، وكشف أن الهيئة طلبت ميزانية 10 مليارات جنيه، لكن حكومة الانقلاب اعتمدت 3 مليارات جنيه فقط.
وأقر وزير النقل أيضا الجمعة، بأن عدم تطوير البنية الأساسية للسكك الحديدية والإشارات التي تضبط التحكم؛ هي أسباب حادث الإسكندرية، ما يعني اعترافه ضمنيا بالمسؤولية الجنائية هو وكبار مستشاريه بالوزارة.
وأكد مساعد وزير النقل، عمرو شعت، مساء الجمعة لبرنامج "كلام تاني" بقناة "دريم"، أن القطارات الموجودة غير صالحة للاستخدام، وأن "الوزارة طالبت الحكومة بمبلغ 10 مليارات جنيه لتطوير السكة الحديد فلم تعطهم إلا 3 مليارات فقط".
و في الوقت الذي تعجز فيه السكة الحديد عن سداد ديونها التي تبلغ 30 مليار جنيه وتتبعها فوائد متراكمة تمثل 140بالمائة من إجمالي رصيد القروض؛ فإن حكومة الانقلاب تواصل الاقتراض بشكل سنوي لتطوير المنظومة.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، وقعت هيئة السكك الحديد قرضا بقيمة 575 مليون دولار مع شركة جنرال إليكتريك العالمية لتطوير القطارات وتدريب المهندسين، إلا أن هذا لم يمنع تكرار الحوادث.
وفي الهيكل الإداري لوزارة النقل يوجد 5 لواءات متقاعدين بداية من 2016، وأوكل السيسي رئاسة هيئة السكة الحديد إلى لواء الجيش السابق مدحت شوشة، في آذار/ مارس 2016، متجاوزا بذلك كبار المهندسين بالهيئة.
وفور تعيينه أعلن شوشة، عن المشروع القومي لتطوير الهيئة باستثمارات 45 مليار جنيه خلال 30 شهرا، وهو ما اعتبره المختصون تصريحا غير متوافق مع توجه السلطة أو الميزانية المرصودة للهيئة ولا حجم ديونها.
وقدرت سلطات الانقلاب تعويض كل شخص توفي بحادث قطاري الإسكندرية بمبلغ 50 ألف جنيه، وهو أقل بكثير مما تقدمه بحوادث مقتل ضباط الشرطة والجيش والقضاة والأقباط.
واستدعت وزارة داخلية الانقلاب قوات مكافحة الشغب لمكان الحادث لفض أي تظاهرات محتملة؛ دون أن تهتم سلطة الانقلاب بزيادة سيارات الإسعاف أو أن تحرك الإسعاف الطائر التابع للقوات المسلحة أو للشرطة لإنقاذ المصابين.
ومن المفارقات المصاحبة للحادث وفاة مستشار وزير النقل لشؤون الصيانة، المهندس مصطفى السيد، بعد إصابته بغيبوبة أثناء زيارته موقع الحادث.
وكشف وزير النقل لبرنامج "حقائق وأسرار" بقناة "صدى البلد" مساء الجمعة، عن هروب سائق القطار القادم من القاهرة ومساعده من الجرار قبل تصادمه مع القطار الآخر.
وتأتي حادثة قطار الجمعة، بعد أحد عشر يوما، من ظهور مقطع فيديو مصور لسائق قطار يرقص ويشرب المخدرات هو ومساعدوه أثناء القيادة، دون أن تُقدم سلطات الانقلاب على توقيع كشف المخدرات لباقي السائقين.