تراجع "داعش" الكبير بين سوريا والعراق ربما لا يؤدي إلى اندحارها التام، لكن بالتأكيد نحن إزاء تحولها إلى تنظيم محاصر خسر صفة الكيان الترابي الذي يسيطر على أراضي متصلة.
وهذا يطرح مسألة اقتسام تركتها وإعادة توزيعها بين مختلف الأطراف المتداخلة في المنطقة. يبقى أن مسار إعادة رص الصفوف وتشكلها يمكن أن يجلب معه ليس نهاية حرب فحسب بل أيضا بداية أخرى، حيث يمكن أن يفتح شهية المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية المؤجلة.
في الأسبوع الماضي، حذر رئيس الكنيست الإسرائيلي وزير الخارجية الروسي من تصاعد الصراع الأمريكي الروسي في سوريا بما يضر بإسرائيل، وشبه صراعهما بمعركة بين ملاكمين من الحجم الثقيل وأن من يجلس قربهما ستصله آثار اللكمات. القلق الإسرائيلي من تطورات الصراع في سوريا بصدد التزايد بعد تفكك داعش ودحرها من مدن أساسية خاصة في شرق سوريا، وهنا وقبل حتى تراجع داعش التام بدأ الصراع مفتوحا علنيا حول قسمة تركتها وخاصة حول من يحكم شرق سوريا.
كانت أهم مؤشرات ذلك قيام القوات الأمريكية منتصف آيار/ مايو الماضي بقصف رتل عسكري يتبع نظام الأسد كان متوجها إلى التنف وهي قاعدة عمليات أمريكية بريطانية على الحدود الأردنية السورية رغم أنها تنضوي ضمن اتفاق سنة 2015 حول عدم الاعتداء المتبادل بين واشنطن وموسكو.
ومثلما أوضح الباحث اندرو تابلر في مقال مؤخرا بنشرية "Foreign Affairs" (عدد 3 جوان الماضي)، نحن إزاء سباق ضد الزمن لافتكاك مواقع نفوذ بمجرد انسحاب داعش من أي نقطة ارتكاز.
بيد أن هذا الصراع يمكن أن ينفلت أو يهيئ الظروف لانفلات عسكري آخر في منطقة تشهد توترا عاليا بالأساس خاصة لكيان يعيش على وقع الحرب مثلما هي إسرائيل. ذلك ما نبه إليه أحد نواب الكونغرس عضو لجنة الشؤون الخارجية ادم كينزنغر الأسبوع الماضي عندما تحدث عن تضافر العوامل لانفلات الوضع نحو حرب إسرائيلية- إيرانية، خاصة إزاء امتداد النفوذ الإيراني في سوريا: "يريد الإيرانيون، بمساعدة الميليشيات المحلية التي تلتزم بالنسخة الشيعية للإسلام الذي تصدره إيران، إنشاء "جسر بري" يمتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان، موطن منظمة إرهابية كبرى، وإذا تم إنشاء جسر بري فنحن إزاء هيمنة إيرانية في المنطقة لفترة طويلة جدا". في كل الحالات اعتبر نائب الكونغرس أن أي صراع كبير في المنطقة "لن يخدم مصلحة أحد".
لكن الحديث عن حرب شاملة تتورط فيها إيران مباشرة لا يبدو السيناريو الأكثر توقعا في المنطقة. الأنظار تتوجه مرة أخرى لحرب إسرائيلية في لبنان في مواجهة حزب الله مرة أخرى، في سيناريو مشابه لحرب صيف 2006. حيث لا يزال الإسرائيليون يحملون ذكرى سيئة عن تلك المواجهة مع التنظيم الشيعي اللبناني. الخوف الإسرائيلي هذه المرة يتجه نحو احتمال استعمال حزب الله لمرتفعات الجولان في ظل عدم تحمل مسؤولية السيطرة عليها من قبل نظام الأسد لفتح جبهة جديدة مع إسرائيل. وقد كتبت نور سماحة في نشرية "المونيتور": "إذا تم تنشيط جبهة الجولان فعليا، فستكون ساحة قتال مع الكثير من المتغيرات غير المعروفة وغير المتوقعة". تضيف نقلا عن مصدر مطلع في الصراع السوري: "تشمل هذه المتغيرات دور وموقف جماعات المعارضة المختلفة، ما إذا كان حلفاء حزب الله وحلفاء إسرائيل سيجذبون إلى المواجهة وأن يدفعوا الحرب بعيدا عما ستفضله إسرائيل من احتواء الصراع الجراحي السريع إلى الفوضى المعقدة والمعقدة".
لكن جبهة الجولان ليست السيناريو الأبرز، ومثلما أشار الباحث في معهد ترومان في الجامعة العبرية في القدس موران ليفوني: "يمكن لحزب الله استخدام الجبهة السورية للتلاعب بإسرائيل في وضع معقد دون دفع ثمن تعريض مرتفعات لبنان الجولان للخطر، ومزارع شبعا هي الأهداف المثالية".
ومن الممكن بفضل وجود حزب الله في القرى الدرزية على الحدود التقاط القرويين من الجانب الإسرائيلي أو الجنود في القواعد العسكرية. يعرف حزب الله أنه لن يكون هناك أي نصر كبير في هذه الخطوة، ولكنهم يبحثون عن فرصة دعائية في شكل ضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
يبقى أن هناك وعيا إسرائيليا أن حزب الله سنة 2006 ليس حزب الله الحالي المضرج بدماء حرب طائفية شرسة شوهت إلى حد كبير صورته في السياق العربي السني، حيث لم يعد جذابا بالقدر الذي كان عليه في السابقِ. غير أن أي مساندة عربية لإسرائيل من الدول "العربية السنية" لن تكون مجانية على الأرجح. ومثلما لاحظ تقرير في نشرية "الانتليجانس بوست" (29 جوان الجاري): "تواجه إيران تحديا كبيرا بما يمكن أن يطلق عليه "كتلة سنية" وتوجهات سياسة إدارة دونالد ترامب في الشرق الأوسط. ومع ذلك، سيكون من الجيد أن نتذكر أن أي نوع من التحالف المفتوح مع الدول العربية السنية له عدد قليل من الشروط المسبقة - حل القضية الفلسطينية من بينها".
في كل الحالات برزت في الأسابيع الأخيرة تقارير صحفية إسرائيلية تشير إلى التهيؤ إلى مواجهة عسكرية دموية كبيرة على الجبهة اللبنانية. أبرزها وآخرها تقرير "الجيروزاليم بوست" (27 جوان) الذي ينقل تصريحات الكولونيل زهافي الذي يرأس منظمة محلية في ميتولا على الحدود اللبنانية مهمتها تأمين إجلاء المدنيين في حال وقوع أي مواجهة عسكرية. حيث يقول: "الحرب القادمة ستكون دموية جدا لكلا الجانبين. إسرائيل سوف تخلي سكانها وأقترح على اللبنانيين أن يفعلوا الشيء نفسه".
1
شارك
التعليقات (1)
عبد الرزاق الجملي.... تونس
الثلاثاء، 05-09-201707:24 م
فتح جبهة الجولان من قبل ايران أو وكيلها حزب الله مستبعد تماماً ..... قد يكونون قادرين على إشعال فتيل الحرب ولكنهم لن يضمنوا السيطرة على رقعتها وهنا نتحدث عن جبهة ( الجولان) تبعد 60 كلم فقط عن دمشق العاصمة والجيش السوري منهك من حرب سبع سنوات ولا يوجد جيش عراقي ينقذها مثلما وقع في حرب اكتوبر 73